الاثنين، 9 مارس 2009

ibnelhakim


ما بعد غزة1

حصار غزة الخانق, والمعاناة غير المتوقعة لقافلة شريان الحياة الحياة في معبر رفح,قبل التمكن من الدخول إلى القطاع الجريح, وحوار القاهرة بين التناقضات الفلسطينية, بين المقاومين والمستسلمين, وتليين الموقف الغربي من سوريا وإيران والطالبان, ومذكرة اعتقال البشير, والزعزعة الغربية لكل أقطار العرب المرشحة لإعادة استعمارها من جديد, كما هو حال العراق, وعلى المستوى الإسلامي افغانستان وباكستان وإيران, وجميع بلدان المسلمين, إنها الحرب الصليبية كما قال السفاح بوش وهو يهم باحتلال افغانستان ذات سنة في بداية هذا القرن, الذي يبدو أنه سوف يكون حلبة للصراعات وزعزعة الاستقرار والعدوان بنية الاحتلال المباشر أو غير المباشر, هذا هو المنظر العام لما بعد غزة في بلدان العرب ثم المسلمين, فماذا تراهم فاعلون؟ فمن المعروف أن أنظمة الحكم القائمة - في الغالب - لا يمكن التعويل عليها نظرا لما هي عليه من وهن وهزال وضياع وتفريط, إنها عاجزة أو رافضة أصلا للمواجهة, وليس في نيتها معارضة الممارسات الاستعمارية, بسبب ارتباطها العضوي بما يسمى النظام العالمي أو العولمة, التي تعني الاستعمار الجديد, ومن ثم يتعين إلغاء أي دور مقاوم أو حتى مجرد ممانع للنظام العربي والإسلامي, وتبقى الكلمة للشعوب التي يبدو أنها تبنت استراتيجية المقاومة للدفاع عن نفسها, وهي على أي حال بين خيارين لا ثالث لهما, إما أن تقاوم أو تستسلم, والمنتظر منها أن تقاوم وهو الموقف الطبيعي السليم, وسوف تتفاوت الممارسات الميدانية تبعا لظروف كل بلد, لكن انتصار المقاومة لا ريب فيه, إنه حتمية تاريخية لا مرد لها, وهنا يكمن الأمل الكبير في إعادة صياغة النظام أو الدولة العربية المسلمة المعاصرة, التي يفترض فيها أن تولد من رحم المقاومة القادمة, وهي سليمة معافاة, تنشأ وتترعرع في أحضان شعبها وفي خدمة مجتمعها, وبالتالي سوف تفرض صياغة جديدة للنظام الدولي بصفة جذرية وشاملة, في كنف العدالة والمساواة بين جميع الأمم والشعوب ولصالح الإنسانية, مثل هذا الأمل مشروع إذا تم اعتماد منهج المقاومة الشعبية في الصراع الدائر والذي سوف يشتد بين الاستعمار الجديد والشعوب العربية والإسلامية, وما كان يسمى بالعالم الثالث أو الجنوب بصفة عامة, إن هذه المنطقة المهدورة الحقوق من العالم, قد تغير الوضع العالمي جذريا, عندما تقاوم وتفرز قيادات جديدة تتضامن فيما بينها وتتعاون على جميع الأصعدة, وتضع مصلحة شعوبها فوق كل اعتبار, وهو أمر حتمي إذا تمكنت المقاومة قبل ذلك من التعاون أيضا على مستوى هذه المنطقة قاطبة, واستطاعت بعد انتصارها أن تعتمد الديمقراطية الحقيقية والعدالة الصارمة منطلقا عاما وقاعدة لا محيد عنها في تسيير المجتمع الجديد, ففي هذه الحالة تستطيع تغيير الوضع العالمي لصالحها, وتتمكن من فرض نظام عالمي ديمقراطي وعادل, لكن المرور بتضحيات جسام أمر لا مفر منه, إذ لا يمكن للاستعمار أن يجنح للسلم والتعاون إلا بعد أن ييأس تماما من فرض هيمنته وممارسة طبيعته في الهيمنة ونهب الثروات ونشر البؤس والهوان والتخلف, وبلوغ حالة اليأس هذه دونه تضحيات كبيرة, لا تتردد الشعوب في دفعها من أجل حماية الأرض والعرض وبلوغ بر الأمان, وهذا هو السيناريو المتوقع لأحداث هذا القرن العنيف بسبب الأطماع الاستعمارية الشرهة التي ترتبت عن اختلال التوازن العالمي بانهيار الاتحاد السوفياتي, ولا سبيل لإعادة التوازن والاستقرار للعالم إلا بهزيمة الاستعمار الجديد على يد شعوب الجنوب, التي يتعين عليها أن تعمد أثناء الصراع إلى إعادة صياغة نظمها الخاصة لتكون أنظمة حرة ديمقراطية عادلة, ومتعاونة على نطاق واسع ومتضامنة في المنطقة الجنوبية من العالم, إذ لا يمكن لشعب بمفرده مهما كان كفاحه شرسا أن يقف في وجه التكتل الاستعماري الكبير, ومثال العراق وإفغانستان والسودان وغيرها قائم يشهد على هذا التكتل الاستعماري الغربي وذيوله على مستوى عالمي, وعندما تخلص النيات ويتعمق الوعي, فإن النظام السياسي السليم المتولد عن المقاومة في بلدان الجنوب فسوف يكون التكتل حتمية لا مفر منها, ولا ينتظر لدولة قادمة من دول هذه المنطقة المستهدفة أن تشذ عن قاعدة التكتل الحكم مع نظيراتها من دول الجنوب, كما هو واقع اليوم, حيث يعمل الاستعمار على قطع جسور التضامن بكل قواه, تجنبا لقوى الاتحاد التي يدرك خطورتها وعجزه المؤكد أمامها, إن النظام العربي والإسلامي والجنوبي الحالي عاجز عن التضامن لأن أغلبية دوله خاضعة تماما للإرادة الاستعمارية ومؤتمرة بأوامرها مقابل حمايتها من ثورات محتملة عليها من شعوبها, لذلك لا يمكن لمثل هذه الدول أن تحمي أوطانها بالتضامن مع مثيلاتها من دول الجنوب, وإن اعتقادها في حماية الاستعمار لاستمرار وجودها خطأ قاتل, سوف يقودها إلى حتفها عندما يبرمج الاستعمار الاستيلاء على بلد أي منها كما هو فاعل الآن في عدة بلدان ومثل السودان لا زال حيا بيننا, وما علينا إلا أن نتابع تطوراته لنشهد واحدا من السناريوهات الاستعمارية الغربية الماكرة المتآمرة الطامعة, المدفوعة في هذه الحالة بثروات السودان الطائلة المسيلة للعابها, ولعل القطرة التي أفاضت الكاس وأشعلت بركان الغضب الغربي هي تعاون السودان مع الصين في المجال البترولي, ذلك ما أفقد الغرب صوابه, فانبرى للتحرش بالنظام السوداني الضعيف بسياسته الداخلية الهشة, والعاجزة عن ضمان الجبهة الداخلية, لكن المقاومة سوف تتجاوز هذا العجز, لتنطلق نحو تشييد السودان الجديد الحر الديمقراطي العادل, الذي سوف يهزم الاستعمار شر هزيمة بفضل تضحياته الجسام وتضامنه مع أمثاله من في الجبهة العالمية للمقاومة على مستوى العالم الثالث قاطبة, وعندها سوف يولد عالم جديد, تزدهر فيه إنسانية الإنسان, ويسوده الرخاء والعدل والمساواة, عالم الشعوب كلها, بمن فيها شعوب البلدان الاستعمارية, التي سوف تتخلص من أنظمتها المستغلة أيضا, وينشأ عالم إذا لم يكن بالمثالي فسوف يكون أفضل بكثير من عالم اليوم المتسم بالعنصرية والهيمنة والحروب والجرائم في حق الإنسانية, وحينذاك سوف يكون هذا القرن العاصف قد انقضى أو اقترب من نهايته, وفي أحسن الأحوال, يكون قد تجاوز منتصفه.

ليست هناك تعليقات: