الاثنين، 9 مارس 2009

النشر والإشهار


ما بعد غزة
ما بعد غزة تأتي غزة في المقام الأول, قد يظن الذين احترقوا مع غزة عن بعد أن الحرب قد وضعت أوزارها, لكن العكس هو الصحيح, فبعد أن أوقف الصهاينة عدوانهم الإجرامي من جانب واحد, انتهت الحرب الصغرى, ودخلت غزة في عهد الحرب الكبرى, وهي أشرس من سابقتها وأكثر فتكا, المطلوب فيها هو رأس المقاومة دائما, ومن ورائها بالطبع تصفية القضية الفلسطينية نهائيا, كما يحلمون, حتى ولو كان ذلك بإبادة شعبها عن بكرة أبيه, كما فعلوا ذات زمان مع الهنود الحمر, سكان أمريكا الأصليين, لقد عجزوا عن إطفاء نور المقاومة بحرب الإبادة والتدمير, فلجأوا الآن إلى حرب أكبر, باستمرار الحصار والتجويع أكثر مما كان لسنوات قبل الحرب, وها هم يطالبون من المقاومة الاعتراف بالعصابة الصهيونية حتى يتعاملوا معها, بعد أن تكون قد انتحرت, أي يقومون بدفنها, فماذا يبقى من المقاومة إذا هي امتنعت عن التسلح وعن إطلاق النار بدون أي مقابل, ثم الاعتراف بكيان العدو الغاصب؟ وإلى جانب هذا, إن بقي في المقاومة شيء منها, فهم يرفضون إعادة إعمار غزة في حضورها, أو بالتعامل معها, بمعنى أنهم يدخلون غزة بدعوى إعادة البناء, وتكون المقاومة مكتوفة الأيدي لا رأي لها ولا تصرف فوق أرضها, أي أنها تكون قد وافقت على الاستسلام والوقوع الإرادي في الأسر, وإلا فإنهم يمتنعون عن إصلاح ما أفسدوه من الأشياء المادية التي دمروها عن آخرها, فهم إذن يصعدون حربهم لتصير أكبر من تلك الحرب الصغرى التي قتلت وجرحت ودمرت كما لم يسبق للتاريخ أن عرف مثلها إمعانا في القتل والتخريب لكل شيء بما في ذلك المدارس ومنها مدرسة هيئة الإغاثة الدولية, ولم تسلم من التدمير المستشفيات بمرضاها وجرحى الحرب فيها, ولا المساجد, ولا البساتين والمزارع, إنها الإبادة لكل ما هو حي أو جامد, وها هم يستعملون ما هو أكثر إيلاما, لا طعام ولا دواء ولا مساكن ولا مرافق, إذا لم تقتلكم الأسلحة الأمريكية الأكثر فتكا, فلتموتوا بالعوامل الطبيعية التي تمنعون من تكييفها لصالحكم بالحصار وبعدم التعامل معكم حتى تستسلموا وتتخلوا إلى الأبد عن المقاومة, ثم يؤلفون مسرحية الحوار والمصالحة مع فتح التي سارت في ركبهم, أو على الأقل سلطتها, التي تجاوزت كل درجات الاستسلام والتفريط, والتي يتحفز زبانيتها الآن للاستيلاء على غنيمة إعادة الإعمار بشكل أو بآخر, وهم يتفقون هنا تماما مع الآخرين في وجوب تقييد المقاومة وتشريدها ووضعها في الأسر حتى يستطيعون تحقيق مآربهم في فرصة الإعمار المعروضة عليهم من شركائهم, وهذا ما قرروه في تجمع شرم الشيخ تحت المظلة الأمريكية والصهيونية, ووفق رغبة العدو وشروطه العدوانية, لكن المقاومة التي خرجت من الحرب منتصرة, لا يمكن أن تنثني أمام الهجمة الجديدة مهما كانت الظروف, ومهما كانت التكاليف سيكون حليف المقاومة كما علمنا التاريخ والجغرافيا, فما من مقاومة تحررية قامت إلا وكان النصر حليفها, وليتذكر هؤلاء المتواطئين من الأطراف المباشرة التي حضرت إلى شرم الشيخ وغيرهم ممن بقوا في الظل لسبب أو لآخر مقاوماتهم للاحتلال والاستعمار وكيف كللت بالنصر المبين؟ ولا أدري لحد الآن كيف لهم أن يوظفوا المصالحة الفلسطينية في سياق حربهم؟ وما القصد؟ هل تستسلم المقاومة كما تشترط السلطة وكل الأطراف المتحالفة في سبيل القضاء التام على المقاومة؟ وهل بإمكان السلطة المكبلة بقيود الاستسلام أن تعود إلى صف المقاومة؟ كيف يتم هذا الصلح المطلوب لأهداف يعرفها الحلف غير المقدس, الذي قرر تركيع المقاومة بوسائل الحرب الأكبر؟ المسألة في منتهى البساطة بقطع النظر عن الأطماع والسعي للإثراء وغيره, هناك مقاومة منتصرة على العدو, ومرشحة لمواصلة الانتصارات حتى لحظة التحرير القادمة, والتي أخذت تباشيرها تلوح في الأفق, وطرف آخر مستسلم ومرتزق تعود على النهب والسلب حتى صار ذلك هو هدفه الوحيد, من يخضع للآخر؟ ومن الذي ينتصر على الآخر؟ ذلك لأن المسألة لا توسط فيها, إما أن تستسلم المقاومة المنتصرة المجاهدة, وهو المستحيل ذاته, وإما أن يتوب طرف السلطة عن استسلامه, ويعود إلى صف المقاومة مجددا, وهذا أكثر من المستحيل, إذن يتعلق الأمر بملهاة ستؤول إلى الفشل اليوم, أو غدا, ولا بديل عن انتصار الشعب الفلسطيني على عدوه المجرم باستعمال المقاومة والتمسك بها حتى يتحقق النصر الآتي لا ريب في ذلك, والأيام كفيلة بإثبات البديهيات ما داموا يريدون البرهنة عليها, فسوف تنتصر المقاومة في هذه الحرب الأكبر أيضا, وسوف يخضعون لمنطقها رغم أنوفهم لأنه هو المنطق الصحيح, والتاريخ لا يعرف المجاملة ولا المواربة, بل الحقيقة عنده هي المطلب الوحيد, ولا يخاف في إظهارها لومة لائم, وإن غدا لناظره لقريب, وإنه لعصر تكاثفت فيه على الأبرياء الشرور, لكنه امتحان سوف يخرجون منه منتصرين لا ريب في ذلك. ولنتوقف عند غزة ما بعد غزة, ويبقى لنا حديث متصل بما من حكاية البشير وقافلة شريان الحياة البريطانية التي توقفت على عكس ما كنا نتوقع في رفح, لكن عندما يعرف السبب يبطل العجب, فحتى القافلة البريطانية الشهيرة تتعثر في رفح, لأنه كمين يترصد صيدا ثمينا, يريد رأس المقاومة, فكيف يسهل مهمة من يناصرها؟ لكنها سوف تنتصر رغم الداء والأعداء, وسوف يكون مصير من يعاديها مزابل التاريخ, كما كان مثوى أمثالهم منذ أن فتح سجل لأحداث البشر الاجتماعية عبر الزمان.

ليست هناك تعليقات: