الأحد، 29 مارس 2009

مشهد الدوحة
غدا القمة العربية السنوية العادية في الدوحة, هذه العاصمة النشيطة التي شهدت قمة غزة لمن حضرها من قادة النظام العربي, وهم الموصوفون بالممانعين, كان ذلك في الأسبوع الثالث والأخير من العدوان الصهيوني الهمجي على غزة المجاهدة, وعلى إثرها مباشرة, أو أثناءها, لا أذكر بالضبط, انعقدت القمة الاقتصاية التي كانت مقررة في الكويت, وحضرها الفريقان الممانع والمعتدل, وهناك بدأ الحديث عن المصالحة بين الأنظمة العربية, التي جعلوا لها المصالحة العربية عنوانا, لكن الأجواء كانت متشنجة للغاية, والتهم لا زالت متبادلة, وأرواح أطفال غزة المغدورين كانت تعبق المكان بعطر الشهادة المبكرة النقية الخالصة, وكان الشعور بالذنب طاغيا, والأعصاب شديدة التوتر, لا سيما وأن عصا بوش كانت لا زالت مشهرة تهدد وتتوعد وترهب, وكان شبح الإبادة والدمار يطوف بالمكان ولا يغيب لحظة واحدة عن الأبصار والخواطر وفضاءات الزمان والمكان, وخرجوا من هناك تقريبا مثلما دخلوا بين مستسلمين ومقاومين ولو كانوا ليسوا على نفس الدرجة من التمسك بالمقاومة, ولعل أهم ما انفض عنه المجلس هو رفع شعار المصالحة التي كانت ولا زالت تبدو مستحيلة, إذا كان التصنيف إلى فريقين مقاوم ومستسلم تصنيفا صحيحا. غير أن الأجواء تغيرت كثيرا بالرغم من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم, ما الذي حدث وغير الوضع نحو الأفضل؟ لا شك أن هناك جملة من الأسباب, أوله اختفاء السفاح بوش من الساحة, بحيث إن الرعب الذي كان مهيمنا أثناء القمتين السابقتين قد بلغ درجة الزوال أو كاد في مدة شهرين فقط من غياب بوش والبوشية, فلأول مرة نسمع من الدوحة حديثا عن رفض مذكرة بل قرار توقيف الرئيس البشير, لم نسمع قبل اليوم أي صوت رسمي عربي ينادي بإلغاء قرار اعتقال البشير, فقد كانوا يستجدون تأجيله لمدة سنة فقط, وذلك لأن ظل بوش كان لا زال يطوف من حولهم, حتى في غيابه هو وزبانيته وبطانته الآثمين, نعم لقد تنفس العالم كله الصعداء بزوال ما وصف به المحكمة الجنائية الدولية اليوم رئيس ليبيا " معمر القذافي", ما سماه بالإرهاب العالمي, وكان عليه أن يضيف المسلط على رؤساء الدول وكبار المسؤولين في العالم الثالث دون غيره من العوالم, لقد انتعش النظام العربي إلى درجة كبيرة عقب مغادرة بوش إلى الأبد, لقد زال الرعب الذي كان يزلزل قادة الدول والموجه إليهم خصيصا, لذلك بدأ النظام العربي يتحدث بصوت مسموع, ويجد من يعبر عن شيء من الموقف أو شبه الموقف في شيء من التردد وربما الخجل عن المطالبة بإلغاء مذكرة أوكامبو, بل قرار المحكمة المعتمد لمذكرة أوكمبو, هذا تطور كبير, وحتى الجامعة العربية المنسية يتحدث أمينها العام عن عزمها القيام بوساطة جديدة يمكن أن تنقي الأجواء وتبعث روح التضامن على الأقل الحد الأدنى من التضامن, إن الفضل في انتعاش النظام العربي يعود أساسا إلى دخول الرئيس الأمريكي الجديد ذي البشرة السمراء إلى البيت الأبيض, لقد شرع الرجل دون إبطاء في اتخاذ القرار وراء الآخر, وهو في عجلة من أمره, فربما قد ينقص من اندفاع الانتهازية العالمية, ويزيل الرعب الذي سكن العالم بسبب العنف البوشي المتهور, أو ما وصفه "القذافي" بالإرهاب العالمي, وهذا الوصف هو الآخر يدخل في باب الانتعاش السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي وغير ذلك من الميادين الحساسة, التي بدأت تنتعش وسط إعصار الآثار البوشية الرهيبة, ثم لا ننسى عامل غزة البالغ التأثير, لقد جعلت غزة النظام العربي في عين الإعصار, وكادت أن تعصف به نهائيا, لكنه صمد لمدة الأسابيع الثلاثة الفظيعة, غير أن ملحمة غزة ما كان لتمر مر الكرام, كان لا بد من أن تترك بصماتها بارزة على المشهد السياسي للنظام العربي, ومن ثم بدأ يتململ ويتحدث من يتحدث باسمه عن احتمال رفض مذكرة أوكامبو التي تحولت إلى قرار واجب التنفيذ باعتقال البشير, إن البشير في الدوحة وذلك بفضل التشكل الجديد للعمل العربي المشترك, الذي لا زال يتخبط, لكن البحث عن قارب النجاة يجعله يقدم على أشياء في اتجاه التخفيف من آثار الأزمة العاصفة بالمال والاقتصاد, إن أملا أو مشروع أمل بدأ يشاهد نهاية النفق, حيث بدأ شيء من شعاع يوم جديد يتسرب على استحياء, ذلك لأن عالم ما بعد بوش يسمح بشيء من الانتعاش الإقليمي والجهوي, ومهما يكن من أمر فإن قمة الدوحة تبدو أفضل بكثير من القمم السابقة مدة حكم بوش, بدت موحية بالانتعاش وهي لا زالت تنتظرموعد انعقادها, ولولا هذه الأجواء العالمية والمحلية والإقليمية الجديدة, ما كان بإكان البشير أن يصل إلى الدوحة سالما غانما

ليست هناك تعليقات: