الاثنين، 30 مارس 2009

افتتاح قمة

افتتاح قمة الدوحة
افتتحت القمة هذا الصباح,بحضور البشير رئيس السودان الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا باعتقاله, وقد سبق لها أن طلبت من قطر التعاون على تنفيذ قرار التوقيف, والملاحظ أن بان كيمون أمين عام الأمم المتحدة, يحضر هو الآخر انعقاد القمة! لقد اختلط الحابل بالنابل في هذا العصر المضطرب, وزالت الأصول, وإلا كيف يتزامن وجود المتهم والقاضي في نفس المؤتمر؟ المهم هو أن المؤشرات التي ظهرت قبل القمة, والمبشرة بشيء من التغير ولو على مستوى الكلام, قد تأكدت في جلسة الافتتاح, حيث دعا الرئيس السوري في خطاب تسليم المهام لأمير قطر الرئيس الجديد لجامعة النظام العربي, إلى الوضوح والحسم, وذلك برفض مذكرة أوكامبو, أو أمر اعتقال البشير, وكذلك بدعم المقاومة, ما دام العدو لا يعترف بالسلام, ولا سبيل إلى إقرار السلام إلا بفرضه على هذا العدو بالمقاومة, وفي ذات الوقت دعا أمير قطر إلى المشاركة في رسم السياسات العالمية, وليس الوقوف حيالها موقف المتفرج, أما عمرو موسى أمين عام الجامعة فقد ذكر بأن ملف رفض مذكرة اعتقال البشير جاهز ليعرض على القمة. هذه هي المؤشرات الرئيسية التي اتضحت في جلسة الافتتاح, ويلاحظ عليها الانسجام والتكامل والتنسيق, وهو أمر إيجابي, وبطبيعة الحال, فإن مثل هذا الوضع ما كان ليتبلور في العهد البوشي المتوتر, إنه الانفراج الذي بدأ يسود الحياة السياسية العالمية, بعد انقضاء الكابوس البوشي الرهيب, ثم محنة غزة أو ملحمتها, والتي سارع الكيان الصهيوني إلى ارتكابها قبل فوات الأوان, أي قبل رحيل السفاح بوش, وأيضا الآثار المزلزلة التي أحدثها صمود غزة على النظام العربي خاصة منه الجناح المعتدل المتخاذل والمتواطئ, لقد ارتجت الأرض من تحت أقدامهم وشعروا بالخطر الذي يتهدد كراسيهم, وتملكتهم الحيرة وأدركهم الرعب من المصير المشؤوم الذي يمكن أن تؤول إليه أمورهم, تحت الضربات النجلاء لمقاومة شعب غزة المجاهد الصابر, لقد خرجوا من تلك التجربة العصيبة بقناعة هو أن العزلة خطر عليهم, ولا فائدة من انتظار الحماية الأمريكية أو الإسرائيلية فهي غير مضمونة العواقب, ثم إن المثل الصدامي لا زال باديا للعيان, فالشنق أصبح ممكنا, وها هو البشير يهدد بنفس المصير, بل كلهم مهددون, ولا حامي لهم إلا التكتل من جديد, وهذا هو سبب رفعهم شعار المصالحة, ولعل ذهاب الكابوس البوشي يمكن أن يسمح لهم, أي للمعتدلين خاصة, بالتقرب من دعم المقاومة, أو على الأقل الابتعاد عن معاداتها ومحاربتها ووصفها بالإرهاب كما كانوا يفعلون, فالواقع السياسي العالمي يفرض عليهم هذا التوجه, حتى لايكونون ملكيين أكثر من الملك, حيث إن أمريكا وأوروبا ذاتهما يقتربان من رفع هذه التهمة الخبيثة عن المقاومة العربية كلها, وفي هذه الحالة يمكن للنظام العربي أن ينجز مصالحة نسبية وتعايش بين حكوماته, وتبقى المصالحة الجذرية القائمة على خدمة المصالح العليا للشعوب العربية, وبناء السياسات والمواقف على أساسها, مثل هذا المطلب الاستراتيجي لا يبدو قريب المنال, لأن الكثير من الأنظمة المعتدلة خاصة قائمة على استراتيجيات معادية للمصالح العليا لشعوبها وللشعوب العربية والإسلامية مجتمعة, ولا يتوقع منها تغييرا استراتيجيا في سياساتها على المدى القصير, وتلك معضلة أخرى. ومهما يكن من أمر فإن هناك مؤشرات واضحة على تحسن الموقف من بينها الحديث صراحة عن رفض مذكرة أوكامبو التي صارت قرارا وأمرا باعتقال البشير, الكلام عن الرفض لهذا الأمر الاستعماري الواضح لم يكن ممكنا قبل اسابيع, وقبل أن تظهر التغييرات الكبيرة في الموقف الأمريكي خاصة, وأي كانت الأسباب فإن الجامعة العربية التي كانت تطالب بتأجيل تنفيذ هذه المذكرة لمدة عام قد أعدت ملفا برفض أمر الاعتقال لتقدمه إلى القمة للمصادقة, وهو تطور كبير يبدو مفاجئا, وفي الواقع أنه ليس كذلك, فما هو إلا انعكاس للموقف الأمريكي الجديد الذي بدأ يحدث الانفراج في السياسة العالمية, والتي سارعت أوروبا إلى تبنيه, وقد تحرر لذلك الحكام العرب بعض التحرر من عقدة الخوف التي كانت تسكنهم وتفتك بهم, وصاروا يجاهرون برفض أمر اعتقال البشير, مما يوحي أنهم سوف يتضامنون في المستقبل على الأقل في المسائل المتعلقة بمصالحهم السلطوية, وبحماية أنفسهم من التهديد الذي أصبح يستهدفهم كأشخاص, من أجل تمهيد الأجواء لإعادة استعمار بلدانهم بشكل أو بآخر, كما وقع في العراق, وإذن فإنه من المتوقع أن يطرأ بعض التحسن في الموقف السياسي العربي, لكنه يبقى تغير تكتيكي ولا يمكن أن يرقى في الظروف الحالية إلى مستوى التغيير الاستراتيجي الذي تطمح إليه الشعوب.

ليست هناك تعليقات: