الاثنين، 4 يناير 2010

تعليق على تعليق


تعليق على تعليق الأستاذ الفاضل ابن عباد
____________________________________
تعليق الأستاذ ابن عباد


اضيف في 30 ديسمبر, 2009 02:30 م , من قبل ibnabadمن المغرب
الأستاذ و الصديق المحترم "المعلم" أحس بسرور كبير و بنشوة و متعة الحوار البناء و الهادف رغم ابتعاد المسافات ، وهذا دليل على تلاحم الشعب العربي و عدم استسلامه للصراعات المفتعلة. وسيأتي اليوم إن شاء الله الذي سيقول فيه الشعب كلمته. أحببت أن يطول بيننا النقاش الذي من شأنه أن ينبهنا إلى نقط قد ينساها أي واحد منا.فتعقيبي إذن ، أوظفه لكي أستطيع توسيع فهمي و رؤيتي للقضايا التي تشغلنا. و ألج باب الموضوع مباشرة : 1ـ سألت أستاذي الفاضل عن الذي يفرق بين شعوبنا والشعوب المتقدمة و هل بالإمكان أن يعيش شعب يتمتع بالوعي تحت كابوس الإستبداد ؟ ـ للجواب على هذا التساؤل ،سأنطلق من التجربة المغربية... ففي الوقت الذي كان يتمتع المغرب إبان مرحلة الإستعمار بوجود أحزاب سياسيةــ لم يهدها له المستعمر ولكنه ضحى من أجل تأسيسها ــ ، وحوار داخلي ومفاهيم دستورية وحركات تقدمية ، كانت إسبانيا ترزخ تحت حكم الحزب الواحد الفالانخي الذي أقره فرانكو والذي فرضه بالقوة بعد قمع منطقة كطالونيا و إخضاعها بالقوة بعد الحرب الأهلية سنة ١٩٣٦. واستمر حكم فرانكو إلى أن مات سنة ١٩٧٥ لكي تنهج إسبانيا مرحلة الدخول في فترة انتقالية بمساعدة جيرانها في أوربا. في هذا الوقت بالذات تراجع هامش الحراك السياسي في المغرب....؟؟؟؟ هل في نظرك ، أن المقارنة بين التجربة في المغرب و إسبانيا ستؤدي بنا إلى الخروج بنتيجة نكتفي فيها بالقول أن الشعب المغربي لم يكن و اعيا بما فيه الكفاية للتمتع بنفس الديمقراطية التي تتمتع بها إسبانيا حاليا ؟؟ ألا يعتبر هذا التحليل من الناحية العلمية غير مطابق للواقع؟؟ أيمكننا أن ننسى التضحيات التي قام بها المغاربة من أجل دمقرطة البلاد و إغفال ما نتج عن ذلك من انتهاكات جسيمة للحقوق؟؟ هل يمكن إغفال دور الإستعمار و الضغوطات الخارجية و اللوبيات الداخلية للقول بأن مسلسل الديمقراطية و نيل الحقوق لم يتحقق بسبب و عي الشعب و إنما بعوامل أخرى لم تتعرض لها تجربة الشعوب الأخرى مثلا.. ؟؟؟ 2ـ هل من الوعي أن تغلق الحدود بين بلدينا ؟؟ ـ ـ أجيبك بطرح السؤال التالي : هل ستجد مغربيا واحدا أو جزائريا واحدا يقبل إغلاق الحدود؟؟ألا يمكن القول بأن الشعب يدرك بأن الأمر قد فرض عليه قهرا و إلزاما و أنه ضد هذا الواقع ؟؟ ألا يمكن القول ، أن المشكل عند الشعب

اضيف في 30 ديسمبر, 2009 02:56 م , من قبل ibnabadمن المغرب
تابــــــع......... ـ هل من الوعي أن تغلق الحدود بين بلدينا ؟؟ ـ ـ أجيبك بطرح السؤال التالي : هل ستجد مغربيا واحدا أو جزائريا واحدا يقبل إغلاق الحدود؟؟ألا يمكن القول بأن الشعب يدرك بأن الأمر قد فرض عليه قهرا و إلزاما و أنه ضد هذا الواقع ؟؟ ألا يمكن القول ، أن المشكل عند الشعب لا يتجسد في و عيه و إدراكه للحقيقة و إنما في كيفية مواجهتها و تفعيل نهج آخر للمقاومة يعتمد على الانتقال من الوعي الصامت إلى الوعي المتحرك و المُفعل بإجراءات نطبيقية ؟؟ 3ـ قضية المواجهة بين الجزائر و مصر : ـ هل هذا الحدث يعبر عن إرادة شعب بكامله ؟؟كم عدد الحاضرين في الملعب و كم عدد المواطنين في كل من مصر و الجزائر ؟؟ هل نستطيغ إغفال الذين رفضوا السقوط في اللعبة الدنيئة التي افتعلتها لوبيات الضغط عن طريق وسائل الإعلام المستأجرة و عن طريق نخبة مستأجرة سبق لي و أن صرحت بأنها خانت الأمانة؟؟؟ لو أجرينا استطلاعا علميا لرأي الشعب عن هذا الحادث ، هل ستكون النتيجة كالتي أراد الإعلام الرسمي عرضها و فرضها لأجل حاجة في نفس يعقوب ؟؟؟؟ ٦ ـ الحائط الفولاذي ؟؟ هل هناك مواطن واحد قي العالم العربي و الإسلامي لا يحس و لا يعي تبعات هذا الإجراء و ما يُراد منه و من يقف ورائه ؟؟؟ هل رأيت ضغطا مشابها للضغط الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني و العربي ، بحيث تقف أمريكا و أوربا ودول أخرى وراء إقامة هذا المشروع ؟؟؟ و لماذا يقام هذا الحائط ؟؟؟ هل لمحاصرة الوعي الفلسطيني بقضيته أم لأن الخصم أحس بأن هذا الوعي قد انتقل في تلك المنطقة إلى نوع من أنواع التفعيل الذي يحتاج لإمدادات و دعم لوجستيكي ،فحاول العدو بالتالي إلى قطع الإمدادت التي يوفرها الشعب للشعب و ليس سوى الشعب ؟؟؟؟ ألا تعتقد أن كبر المؤامرة و تزايد الضغط ووقاحة المتآمرين تدل على شراسة المواجهة بين الأطراف ؟؟؟هل كانت ستسعى أمريكا و إسرائيل إلى بناء هذا الحائط بأيادي مصرية لولا الإحساس بوعي الشعب و خطورة الموقف ؟؟؟ (تــــابع .....)

اضيف في 30 ديسمبر, 2009 03:30 م , من قبل ibnabadمن المغرب
(تـــــابع ....) في نظري أن الوعي فيه درجات ، و أن شعبنا العربي يحتل درجة لا بأس بها من هذا الوعي ، فإذا كان الوعي هو الفهم و إدراك الحقائق كمرحلة أولية ، ،فإن الشعب العربي أصبح قادرا على فهم و ضعيته ،و لا نبالغ إذا قلنا أننا نعيش مرحلة سجال وحوار في الموضوع و أن الشعوب العربية تمارس خطابا سياسيا يتميز بالاستنكار و عدم الرضى و القبول بالأوضاع.... و في هذا الصدد أود القول بأن مرحلة ترديد نفس الخطاب قد طالت و أنه قد آن الأوان لتغيير منهجية العمل...... فالشعب يعبر عن و عيه عندما يقاطع الانتخبات و عندما تلجأ الحكومات إلى تزوير النتائج الإنتخابية ، لأنها تعلم أنها لوتركت الأمر لإرادة الشعب لأصبحت في "خبر كان". و تاريخ الشعوب العربية الحديث حافل بالعطاء النضالي ، و يمكننا الحديث عن هذا لاحقا...لكن هل نكتفي بهذا القدر من الوعي أم يجب تفعيل هذا النوع من الوعي كي يفرز عن نوع آخر من صور "الوعي المقاوم." أخي العزيز ، أعتقد أن تحليلاتنا تدور في على مدار واحد ، و قد أستطيع إيجاد مقاربة إذا قلت : يلزمنا " وعي "للخروج من هذه المرحلة و الإنتقال إلى مرحلة ثانية نعبر فيها عن إرادتنا لتغيير الواقع المرير الذي و عيناه و فهمناه لككننا استسلمنا للتعايش معه، وهذا هو الجانب السلبي الذي ألوم عليه الشعوب العربية. أتمنى أن يستمر بيننا الحوار ، و أن نعمل صحبة بعض الأساتذة الآخرين ، على تحريك هذا النوع من النقاش الذي يحثنا على الاجتهاد . فهذه النقاشات لفتت انتباهي إلى عدة أشياء و جعلتني أعيد تقييم نقط عديدة تناولتها في الموضوع .... فشكرا مرة أخرى لاهتمامك القيم و لاتساع صدرك و لحوارك الهادئ و المفيد. تقبل مروري و خالص تحياتي . ابـــــــــــــــــــــن عبـــــــــــــــــــاد
====================================

التعليق على التعليق
==============
استمرارية الحوار
=========
صديقي الأستاذ الفاضل ابن عباد


هذه فرصة ثمينة طالما تمنيتها معتقدا أن غياب الحوار مشكلة كبيرة في درب ارتقاء الوعي لدى شعوبنا, وقد يكون هذا موضوعا لتواصل لاحق, كما أتمنى أن تتسع الحلقة المباركة هذه لتضم زملاء آخرين, ليس بالشكر فقط وإنما بالمساهمة المعمقة, ولا أدري إن كان هذا الحيز مناسبا لهكذا ممارسات, فقد لاحظت أن الفضاء المخصص للتعليق, لا يسمح بأكثر من عدد محدد من الكلمات, مما يجعله غير مؤهل إجرائيا لما نحن بصدده, الأمر الذي اضطرك إلى تجزئة التعليق كما هو أعلاه, وألزمني بإعادة الصياغة أو التناول في هذه الصورة بإحضار الموضوع كله إلى هنا لطرحه في مقال جديد, ومن جهة أخرى يبدو أن الأصدقاء والجيران في الموقع لا يهتمون بقراءة التعليقات, لذلك لم ينتبهوا إلى التسلسل فيها, وبالتالي لم يعلنوا عن آرائهم ومساهماتهم المقتضبة - عادة - لحد الآن, لهذه الأسباب وغيرها ارتأيت إعادة لم شمل الطرح قصد دفع الحوار وتوسيعه إلى أرفع مرتبة ممكنة. وقبل إنهائي للموضوع صدرت تعليقات منها هذا الذي فضل استخدام أطروحة خطيرة هي التكفير للفئة النادرة المنتصرة من المسلمين في أحلك عصورهم هذا, وإني لأتهم هذا الطرح ولا أظنه بريئا بالمرة, مهما كان مصدره.
لقد استفدت من تعليقك القيم فائدة جمة, ومن ذلك ما تفضلت به من مصطلح درجات الوعي, نعم إنه من المهم اعتماد هذه القاعدة الذهبية عند تناول مسألة الوعي, لكني لا أذهب معك إلى كون شعوبنا مدركة لمجريات الأمور, ولكنها لا تفعل شيئا أو مستسلمة, الأمر الذي جعلها تستحق لومك, نعم يا صديقي العزيز إنها ملامة ومسئولة قطعا عما هي فيه من سوء الحال, إلا أن سبب ذلك - في نظري - يعود إلى درجة وعيها المنقوصة, أو إلى الدرجة غير الكافية من وعيها الراهن, وذلك أساسا بسبب خيانة نخبها, كما تفضلت في مرة سابقة, فكون شعبانا في الجزائر والمغرب غير راضيين عن غلق الحدود بين بلدينا الشقيقين وعيا كما ذكرت لا يكفي, أو هي درجة من الوعي دون المطلوب, فالوعي المنتظر هو هذا الذي يمنع هذا الغلق ويجعله مستحيلا على السلطات في الجانبين ما دام الشعب غير راض عنه, لأن ذلك يهدد بقاءها على سدة الحكم جديا, كما يقع في البلاد المتطورة الديمقراطية, وبطبيعة الحال فإن الأمر ينسحب على بقية الأمثلة المستخدمة مثل الجدار الفولاذي الوصمة في جبين شعوبنا أيضا, فلو كان الوعي كاف على الجانبين من الحدود, ولدى شعوبنا كلها أو معظمها, لما أمكن للنظام المصري التفكير مجرد التفكير في هذا المشروع العار, لأنه ببساطة أكثر من كاف للإطاحة به على الفور من الحكم, كما يحدث في البلدان الديمقراطية, ما دام الأمر مناقضا لمصلحة الشعب المعني والأمة كلها. نعم لتفعيل الوعي, بمعنى تجسيد الديمقراطية وترسيمها, عن طريق تنظيم الشعب لنفسه في أحزاب ومجتمع مدني حقيقي ومستقل يستمدان وجودهما واستمرارهما من خدمة مصالح الشعب وحده دون غيره, وإلا بادر بإلغائها -أي الأحزاب- عن طريق مقاطعته الانتساب إليها والتصويت لها في الانتخابات, فيقبض بذلك روحها المارقة حتما. لو كان الوعي مفعلا هكذا يا صديقي العزيز لما وقعت محاولة ناجحة إلى حد بعيد لضرب التضامن العربي الضربة القاضية باستعمال مباراة كرة قدم, حتى ولو كانت مؤهلة للمونديال, لقد أصيب ما بقي من التضامن العربي في مقتل بهذه المناسبة الأليمة, وقد استعملت لذلك أدوات مناسبة, من شتائم وإهانات موجهة لشعب بأكمله ولتاريخه ورموزه على رأسها شهدائه الأبرار, وحرق علمه, ولسلطاته القائمة - إن صح اعتبارها كذلك, ما دامت هي الأخرى لم تقصر في استغلال المناسبة لصالحها - ولرئيسه, ذلك لأن الخطة الرهيبة اقتضت استعمال هذا المستوى من الإساءة بقصد الوصول إلى الجماهير الواسعة وزرع بذور الكراهية والبغضاء والعداء في قلوبها, وقد حصل بالفعل, ولن يمحى إلا إذا ارتفع الوعي الجماهيري إلى درجة إدراك ما حصل بوضوح تام, وكونه يستهدف مصالحها العليا والحيوية في الجانبين وفي مجمل الوطن العربي, وإلا لماذا كلف "شمعون بيريز" نفسه مشقة الحضور في تلك الأيام السوداء إلى القاهرة؟
أما عن كون الأحزاب دليلا على الديمقراطية والوعي الذي جعل الشعب المغربي الشقيق يخوض معركة التحرير والاستقلال, نعم تلك درجة من الوعي, ما دمت قد توصلت بثاقب نظرك وكفاءتك المنهجية إلى حل هذه الإشكالية باستحداثك لمصطلح درجة الوعي, إنها درجة تناسب تلك المرحلة, والواقع أن الوعي التحرري أو التحريري أبسط وأسهل من الوعي المطلوب اليوم, والذي يمكن وصفه بالتنموي والتحديثي والديمقراطي, ذلك أن العدو في تلك الظروف واضحا, والوعي به تلقائيا وآليا, ولا يحتاج إلى كبير جهد, أما الآن فالعدو منا وهو داخل ديارنا, ومقاومته قد توصل صاحبها إلى تهمة الخيانة العظمى, وما يترتب عنها من عواقب وخيمة. لقد اندهشت كل الدهشة لردود أفعال بعض المثقفين المصريين أثناء الأزمة الموصوفة عبثا بالكروية وفي أوجها, لقد انخرطوا فيها كما لو كان الذي يحدث هو خطر جسيم يهدد الوطن, لذلك يجب التصدي للعدو الغاشم, حيث إن الخطة - في نظري -تهدف تكتيكيا إلى إيجاد عدو خارجي, ولا أتحدث عن المثقفين المأجورين العاملين في أجهزة الدعاية - كما قيل بحق - وليس أجهزة الإعلام كما كانت تسمى, في الوقت الذي كان شمعون بيريز يستقبل فيه بالأحضان في القاهرة كحليف وصديق حميم, بل أتحدث عن الكثير من المثقفين المستقلين, ومنهم أصدقاء حميمين, كادت تلك المواقف الغريبة أن تعصف بصداقتنا نهائيا, ومن ذلك القبيل أساتذة جامعيون كبار كادت علاقاتهم مع نظرائهم في الجامعات الجزائرية أن تقطع نهائيا, لولا أن بعضهم اهتدى إلى اقتراح التواصل اليومي عن طريق النت وغيره, والرسمي كذلك عن طريق المصالح المعنية في الجامعات, بشرط تجنب الحديث تماما عما يجري وتجاهله كليا. إني مصدوم بشدة لمثل هذا الواقع المتردي الذي آل إليه سلوك النخبة, وأي نخبة إنها النخبة الجامعية, وبعض الكتاب والمفكرين المستقلين الذين لا تجد حقا ما تبرر مواقفهم به, ما عدا كون وعيهم السياسي منعدما تماما, أو أنهم انتهزوا الفرصة للتقرب من السلطة, ومحاولة الدخول بذلك إلى قائمة المستفيدين, فهم ويا للعجب لا يفرقون بين الوطن والسلطة القائمة, التي افتعلت أزمة خطيرة باسم الوطن والوطنية, والحال أن الأمر بالعكس تماما, ولا يفوتني هنا أن أنوه بكل اعتزازا بأولئك المثقفين الأشقاء حقا, الذين استنكروا بشدة مواقف زملائهم المنخرطين في حملة تصعيد التوتر وترسيخ الفتنة والكراهية والبغضاء بين الشعبين الشقيقين, لقد كانوا بحق في المستوى الراقي المتوقع من كبار العلماء والكتاب والمفكرين, مما يشير بالنسبة الفريق الأول المتورط في الأزمة إلى أن قضية الوعي ليست مجرد قضية فهم, وإنما تتجاوز ذلك كما تفضلت أنت إلى الفعل, والذي أجد أنا تفسيره في ضرورة قيام الأحزاب المؤطرة للشعوب, والناطقة باسمها, والمعبرة عن مصالحها, والمدافعة عنها بكل الوسائل السلمية, إلى جانب المجتمع المدني الذي يتمتع بنفس المواصفات.
وأعود إلى قضية الوعي الذي أدى إلى الكفاح التحريري والاستقلال, لأستعرض باختصار قدر الإمكان المثال الجزائري الفريد, بسب أن الاستعمار الذي عانت منه بلادي يتجاوز بكثير ما هو واقع في فلسطين, لقد كان استعمارا استيطانيا تحدوه نية الإبادة بالفعل للإنسان والثقافة والحضارة والهوية, فضلا عن الوقت الممتد لذات الممارسة لمدة 132 سنة كاملة, وقد كانت المقاومة شرسة منذ اليوم الأول للاحتلال, حيث امتدت مقاومة الأمير عبد القادر 17 سنة كاملة, وتناولت الراية من بعده مقاومات أخرى عديدة, حتى مشارف نهاية القرن 19, بعدها ظهر النضال السياسي, الذي كان ثمرة الاحتكاك بالنموذج الفرنسي للديمقراطية والحضارة المعاصرة فيما وراء البحر طبعا, وقد كانت تلك الفترة من بداية القرن الماضي شبه امتحان للهوية الوطنية لشعبنا, بعد المحاولات الشرسة لطمسها, إذ أن طلائع من السياسيين المستغربين أو المتفرنسين قد بدأت تشكك فعلا في هذه الهوية, بل ونشأت أحزاب تنادي بالاندماج التام مع فرنسا وطنا وحضارة وهوية ثقافية على الأقل, لكن ذلك الحلم الرومانسي لأولئك الذين تعمدت فرنسا عملا بنصيحة مستشاريها من العلماء والمفكرين فرنستهم وتغريبهم وقطع انتمائهم عن هويتهم, لاستثمارهم في إنهاء المقاومة التي لم تهدأ عشرات السنين طوال القرن التاسع عشر, وهم بالطبع من أبناء المحظوظين من الأعيان المتعاونين مع الاحتلال والمستفيدين منه, غير أن الاستعمار يفضح نفسه بنفسه, وقد كانت الصدمة الأولى في الاحتفال المئوي الأسطوري بذكرى مرور مئة سنة على الاحتلال, سنة 1932م, والذي كان إساءة وإهانة صارخة للشعب الجزائري, مما جعل تلك النخبة المفرنسة تفيق بعض الشيء, وعندها وقبلها بقليل نشأت أحزاب وجمعيات وطنية, مما عرف فيما بعد باسم الحركة الوطنية, منها حزب الشعب الجزائري, الذي أحظر فيما بعد لينبعث باسم حركة انتصار الحريات الديمقراطية, وهو الحزب الوحيد الذي جاهر بطلب الاستقلال والدعوة إلى التحرير, وهو الذي قاد أفراد بسطاء من شبابه اندلاع الكفاح المسلح فيما بعد, ليس برغبة من الحزب طبعا ولا بتدبير أو أمر منه, وأثناء الثورة برزت قيادات جديدة لا تنتمي إليه, لأن الجبهة التي أعلنت الثورة قررت إلغاء الأحزاب, وقبول مناضليها وقياداتها إن هم رغبوا في الانضمام إلى الثورة كأفراد, ليلتحقوا بجبهة التحرير أو جيشها, وكان أن انتصرت الثورة بتحقيق الاستقلال, بثمن باهظ مليونا ونصف المليون من الشهداء, وهم أقدس مقدسات الشعب الجزائري, لذلك عمدت أبواق الفتنة في الأزمة السوداء الأخيرة الموصوفة تلبيسا وبهتانا بالكروية إلى المس بهم, ولم يكن لذلك المس الآثم أثر يذكر لدى الجمهور الواسع في البلد الشقيق, للأسف الشديد, والسبب عندي هو أنه لا يعي ما يحدث وعيا كافيا, ومثله شقيقه الجزائري الذي انطلت عليه الحيلة وتجاوب سلبيا. وأضيف أن هناك من يقدر عدد الشهداء الجزائريين جميعا أثناء ليل الاستعمار البهيم من الاحتلال حتى الاستقلال بعشرة ملايين شهيدا, وعندما خرجت فرنسا من بلادي تركت شعبا تعداده تسعة ملايين نسمة فقط. أما الصدمة الثانية فقد كانت غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية, حيث خرج الجزائريون يتظاهرون سلميا مطالبين بتحقيق ما وعدتهم به فرنسا والحلفاء من حق تقرير للمصير أثناء مساهمتهم الكبيرة في الدفاع عن فرنسا في تلك الحرب الضروس, فما كان منها ومن رئيسها "دوغول" الذي اتخذ من الجزائر مقرا له ولحكومته المؤقتة أثناء الاحتلال الألماني لبلاده إلا أن يجيبوا بالحديد والنار وباستعمال المدافع والطائرات والبوارج البحرية لقمع المتظاهرين سلميا من المواطنين العزل, بل لإبادتهم عن آخرهم خاصة في مدن سطيف وقالمة وخراطة, في الثامن من شهر مايو 1945 وما تلاه, حيث سقط عشرات الآلاف من المتظاهرين الأبرياء وغيرهم شهداء, وسقطت معهم أطروحة الاندماج نهائيا, وكذلك الأحزاب كلها, الذي لم يعد لها أي معنى, حيث فهم المناضلون في مجموعها أن المسألة لا تحل بالنضال السياسي وحده أبدا, بل لا بد من الكفاح المسلح لاسترجاع الاستقلال الوطني, وكذلك كان الأمر, حيث تأسست جبهة التحرير من مناضلين شباب مغمورين من حزب الشعب, لكنهم لم يتصرفوا من منطلق حزبي, بل قرروا إلغاء الأحزاب جميعا لقصورها وتقصيرها في خوض غمار معركة التحرير. وفي فجر الاستقلال بقيت جبهة التحرير في الميدان وتحولت إلى حزب سياسي وحيد في البلاد, لكنها فشلت على غرار كل حركات التحرير في العالم العربي وغيره في تحرير الإنسان بعد تحرير الأرض ولو شكليا, كما فشلت كغيرها أيضا فشلا ذريعا في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة, وإحداث التغيير النوعي والديمقراطي والحداثي المطلوب. وعندما بدأ الشعب يتململ بعد إدراكه لفشل التقدم الموعود, عمد النظام الحاكم إلى افتعال أحداث 05 أكتوبر 1988م, التي خسر الكثير من الأبرياء فيها أرواحهم أو ممتلكاتهم, وكان الهدف هو تغيير الواجهة بتعددية شكلية لتخدير الشعب بعض الوقت, وقد نجحت الخدعة التي أسفرت في أول اختبار لصدقها عن أحداث مأساوية ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأرواح البريئة من أبناء الشعب, وما صاحبها من مآسي أخرى كان لها ضحايا ممن استمروا على قيد الحياة في أحوال يرثى لها من الإعاقات الجسمية والنفسية. لنعود إلى نسخة جديدة من الأحادية منذ 11 سنة كاملة, تتكون من ثلاثة أحزاب ظاهريا من بينها حزب جبهة التحرير, تسمى التحالف الرئاسي, مما أدى إلى الجمود التام للحياة السياسية, وتراجع كبير للحرية الإعلامية والحريات العامة, وانعدام المعارضة الفعلية, وشل البرلمان, وكذا دور المجتمع المدني, وأصبح الكل يبحث عن مصيره الشخصي لدى النظام, ولا أحد يهتم بمصير البلد والشعب, وإنما يسعى كل واحد إلى ترقية شخصية عن طريق الوصول إلى قيادة حزبية معينة, أو إلى جوارها والظفر بمكان في المجالس المنتخة البلدية والولائية والبرلمانية, وأيضا مناصب تنفيذية في الوزارات والولايات والسفارات وغيرها, ومن ثم التمتع بالامتيازات التي يمنحها النظام لتلك القيادات مقابل عدم التدخل في أي شيء يخص المصلحة الوطنية العليا ومصير الشعب والوطن. وكل شيء يدفع ثمنه من عائدات البترول التي تمثل أكثر من 95 في المائة من الصادرات الوطنية, وتكاد تكون المصدر المالي الوحيد إلى جانب الضرائب, ذلك لأنه لا وجود لأي استراتيجيه حقيقية لا في المجال الاقتصادي ولا في غيره, أيمكن أن نقول إن الشعب على وعي بما يحدث لأنه يعرف هذه الحقائق عموما, ولأنه يرفض الذهاب إلى صناديق الانتخاب, ولأنه يعرف أن الانتخابات مزورة؟ ثم نقول إن الوعي الموجود كاف لكنه يحتاج فقط إلى تفعيل؟ وبالرغم من إقراري بما تعتبره نضالا وجهودا شعبية معتبرة إلا أنني مع ذلك أتساءل: إذا كان التفعيل كما أفهم هو إيجاد التنظيم الحزبي والمجتمع المدني فهو موجود, وقياداته مستفيدة من امتيازات كبيرة كمقابل لسكوتها, والشعب يعلم هذا ورغم ذلك تستمر تلك الأحزاب في استغلاله كل مرة عندما تأتي الاستحقاقات الانتخابية, إني أوافق صديقي الكريم على أن ما يوجد هو درجة من الوعي, غير أني أرى أن الدرجة المطلوبة للتغيير لا زالت غائبة, وما دامت النخب قد خانت شعوبها, ورضيت بخدمة السلطان, فما على الشعوب إلا أن تبحث عن نخب أخرى مخلصة ومرتبطة بها عضويا, نكون من صلبها بحيث لا يمكن لها أن تفلت من الانتماء الشعبي, وهو أمر ممكن ومطلوب باستعجال من شعوبنا التي تعاني ويلات الاستبداد والهوان وسوء العاقبة والمصير المجهول والخطير حتما, والدور الذي أراه لهذه النخب الشعبية الجديدة هو تأسيس أحزاب سياسية شعبية حقيقية, وأيضا ترسيخ المجتمع المدني ونشره على نطاق واسع على أن يكون حقيقيا كذلك, ممثلا لمصالح الشعب وحده, مثل هذا الأمر يحتاج إلى تضحيات جسيمة, ذلك أن النظام الحاكم ومن معه لا يمكن أن يسمحوا بسهولة لمثل هذه المشاريع السياسية الحزبية والجمعوية الشعبية الحقيقية أن تنشأ وتترعرع, فلا شيء بغير ثمن, ومن طلب يد الحسناء لا يخيفه المهر, ولا أخفي عنك أن هناك من يتحدث على صفحات الجرائد هذه الأيام منذرا بأحداث جديدة أخطر من تلك التي وقعت في الخامس من أكتوبر 1988, ويقدر لها وقتا بقبيل المونديال أو بعيده, وذلك دون شك نتيجة اليأس والوعي بالوضع المتردي, لكن التنظيم الحزبي والجمعوي الذي يمكن أن يقود الاحتجاج المتوقع لا وجود له, مما يشكل خطورة جسيمة ما دام المتوقع في غياب التأطير الحكيم والكفؤ سيسقط في فخ العنف والعشوائية المدمرة, لا قدر الله, لكن ما البديل الممكن؟. أطلت عليك سيدي الفاضل, ولعلي تماديت كثيرا في سرد الأمثلة, غير أن الحال اقتضى ذلك, وصبرك جميل أيها الأخ الكريم. أعبر لك عن بالغ سعادتي بمواصلة هذا الحوار الواعد, والذي بدأت ثماره تؤتي أكلها منذ البداية. تحياتي لك حضرة الأستاذ الفاضل ابن عباد وتقديري.

ليست هناك تعليقات: