الأحد، 10 يناير 2010

سميح القاسم





سميح القاسم في فاجعة المثقف العربي

نشرت الشروق اليومي الجزائرية في عددها: 2813 أمس الأربعاء 06/10/2010م - الموافق لـ 10 محرم 1431هـ حديثا أجراه مبعوثها إلى القاهرة بمناسبة المباراة الكروية سيئة الذكر, بين فريقي البلدين, الجزائر ومصر, مع الشاعر العربي الكبير, الفلسطيني "سميح القاسم", الذي كان ينطق تأوهات من الواقع العربي المظلم, ومن المثقف العربي الغائب في هذا الزمن القومي النحس, لا ليس الغائب بل المنبطح المتهافت على فتات موائد السلطان في أحسن الأحوال, في الوقت الذي كان ينتظر منه أن يحمل مشعل التنوير ويكون الدليل الهادي لشعوب أمته البائسة الواقعة بين كماشتي التخلف وتحالف الساسة مع العدو الصهيو – أمريكي الغربي, لفضح ما يجري وتعرية هذا التحالف الظالم الآثم, حتى تستطيع الشعوب الوقوف على قدميها, وتعرف طريقها نحو المقاومة بعد أن تكون قد أدركت المكيدة المحبوكة من حولها بفضل الأنوار التي يسلطها المثقف العربي على الواقع المزري, الذي فضل أن يزينه ويلبسه حلة قشيبة تعمية للجماهير وتمكينا للحلف الغادر من غرس أظافره الحادة في فريسته حتى العظم, لكي يحصل المثقف الضال على دريهمات معدودات لا تمكنه حتى من الرفاهية التي ينشدها على حساب شعوبه وضميره, فلا هو في السلطة ولا هو في طلائع المقاومة, بل قنع بتقزيم نفسه إلى مجرد مادح يقف على باب السلطان إن هو استطاع بلوغ هذا المقام السافل الذي يتوسل إليه حتى بالدوس على أقدس المقدسات, وما دام فد ارتضى لنفسه هذا الموقف المنحط, فقد كان عليه من هذا المنطلق المخزي ألا يقبل بأقل من الشريك الكامل الحقوق في السلطة وريوعها, ومن أجل هذا الموقف المدان استحق المثقفون العرب المزعومون من القاسم الوصف الواجب الذي عنونت به جريدة الشروق حوارها معه, وجعلته العنوان الرئيس في صفحتها الأولى, وبالبنط العريض:

المثقفون العرب مجرد قطيع من المرتزقة والمأجورين

نكتفي بنشر الفقرة المخصصة لهذا الواقع الأليم من حوار الشاعر الكبير مع الشروق, وقد أرفقته بقصيدة لذات الشاعر, عنوانها "القصيدة الجزائرية" مضمونها لا يبتعد كثيرا عن صلب هذا الموضوع الراثي لحال أمتنا المتردي في هذه الأيام الكالحة, ثم لأن أي واحد يحاول أن يقترب من المهمة الجديرة بالمثقف العربي يجد في طريقه هؤلاء الذين وصفهم القاسم فأجاد الوصف يقفون له بالمرصاد, ويتصدون له بشراسة لا تدانيها شراسة الكواسر من المفترسات, دفاعا عن الموقع المهين الذي استطاعوا بلوغه كمداحين على باب السلطان وماسحين له أحديته بل ومقبلين نعاله, إذا حصل لهم شرف الوصول إليها, وهم في أعلى درجات السعادة, والمقابل دراهم معدودة لا ترفع من شأنهم المادي كثيرا, ولا تميزهم كل التمييز عن واقع البؤس الذي تتمرغ فيه شعوبهم المسحوقة التعيسة, بل إن منهم من يدافع باستماتة مثيرة للشفقة عن التوترات المصطنعة حد العداوة بين شعوب بأكملها من شعوبنا المضطهدة, ومنهم من يتجرأ على الإفتاء من أعلى منبر ديني يفترض فيه العفة والقداسة مبررا منكرات للساسة بل خيانات واضحة لا تغتفر, حتى يصفد الجماهير المسحوقة فلا تفكر في المقاومة مجرد التفكير, ما دامت الفتوى قد صدرت من مصدر لا يرقى إليه الشك في نظر الشعب الناعس, الذي يغط في نومه العميق مخدرا بمشاكله الرهيبة, وممارسات المثقف العربي المكرسة للتخدير والمعمقة له عن طريق أبواق السلطان ومنابره المتنوعة بما فيها المنابر التي لا يتطرق إليها الشك عادة, والتي بالغت وتمادت إلى درجة أصبحت مهددة بضياع الثقة بجدية مكانتها التقليدية المكتسبة لدى الشعوب العربية والإسلامية, فتكون بذلك آخر قلعة تسقط سقوطا مدويا.

فقرتان من الحوار

الشروق: قبل أن نبدأ هذا الحوار قلت لي كلاما جريئا جدا ... قلت بأنك ضد فلسطين
سميح القاسم: من حيث المبدأ أنا عروبي وحدوي وهذه ليست شتيمة ولا كلمة بذيئة, البذيء هو الموقف العربي. أنا مع الوطن العربي الواحد والدولة العربية الواحدة قد يبدو هذا الكلام رومانسيا وطوباويا لكنني أقول بأنه ليس على هذه الأرض كلام أكثر واقعية من خيال الشعراء, ثم إنه لا يوجد أي مبرر أخلاقي أو سياسي أو تاريخي أو اقتصادي "لاستمرار واقع سايكس بيكو", واقع التجزئة الحقير, كما أنه لا يوجد مبرر لاستمرارنا في خيانتنا... نحن نخون أنفسنا ... نحن نرتكب خيانة قومية حين نكرس سايكس بيكو, حين نكرس التجزئة والإقليمية, نحن بذلك نتحول إلى أمة من الخونة. أنا أرفض هذه الخيانة, أنا لا أعترف بشيء اسمه الدول العربية التي أعتبرها منذ عقود "حضائر سايكس بيكو", لكن وما دام شعار الدولة الفلسطينية يعني إنهاء الاحتلال فلا بأس أن أقبل بهذا, لكن مرحليا فقط, كما أن هذا لا يلغي رؤياي الإستراتيجية, والتي تترجم إرادتي في الدولة العربية الواحدة للشعب العربي الواحد, مع أشقائنا الذين يعيشون في هذا الوطن من بربر وأكراد وأرمن, كل هؤلاء أشقاؤنا وشركاؤنا ... أريده وطنا ديمقراطيا علمانيا, يحترم الدين الذي هو أحد أساسات تشكيلنا كأمة, كما أنني أرى بأن البحث عن المزيد من الدول العربية هو في حد ذاته كارثة, هم يريدون دولة على كل بئر نفط, يريدون دولة على كل منجم حديد... يجب أن نخجل من تشرذمنا,من حقارتنا, من وضاعتنا, من انحطاطنا, من كفرنا, من خيانتنا ... لا نستطيع إلا أن نخجل إذا كانت فينا بقية من كرامة قومية وشخصية.
الشروق: ألا تخشى من أن يصنف هذا الكلام والموقف الجريء في خانة "الصرخة في واد", خاصة وأن غالبية المثقفين العرب ينتجون أفكارا غير هذه؟
سميح القاسم: أنت تستفز رغبة السخرية لدي حين تتحدث عن المثقفين العرب, أنا أرى قطيعا من المرتزقة, قطيعا من المأجورين, من الشعراء الوهميين والأدباء الافتراضيين, والمفكرين المرتهنين ... أشباه مثقفين, لا أرى بينهم ابن رشد واحدا, ولا ابن خلدون واحدا, أعطني مثقفا عربيا حقيقيا واحدا بكرامة الثقافة وبكرامة الإسلام والحرية وسأكون سعيدا جدا.
====================================
هاتان فقرتان من حوار مطول أجرته الشروق مع الشاعر العربي الكبير, الفلسطيني سميح القاسم, والذي يتمحور أساسا حول الثقافة والسياسة العربيتين, ويصفهما بما يجب أن يوصفا به, أو بالحد الأدنى الواضح الصريح من ذلك الوصف المستحق, فعلى مثل هذه الحقائق يجب أن ننام ونحلم ونفيق, ولا تفارقنا لحظة في يقظتنا ومنامنا, فذلك هو أقل ما تستحق من اهتمام, لأنها متعلقة باحترام ماضينا التليد والوعي بحاضرنا القعيد والتطلع إلى مستقبلنا المجيد, من غير هذه الحالة التي يجب أن تكرس في الوعي العربي وفي ضمير كل فرد من أمتنا وعقله ووجدانه, نبقى مكبلين بحبال الخطر مسلمين إلى عدونا ليتفنن فينا ذبحا وسلخا كما يحلو له, والعالم الحر العنصري الاستعماري يتفرج ضاحكا هانئا مطمئنا على مستقبل هيمنته على بلداننا واستنزاف خيراتها لفائدة شعوبه التي يعميها الرفاه عن رؤية بؤسنا وعذابنا ومعاناتنا المرة كل مطلع شمس ومسائها, وفي كل لحظات زمننا المتردي المهين البائس. لا فض فوك يا سميح لقد عبرت عن الهم ففضحته وعريته ووضعت أصبعك على الجرح فارتعشت أوصال الأمة كلها وجعا وألما, فهل لمثقفينا آذان يسمعون بها وأعين يبصرون بها وعقول يدركون بها ليلتحقوا بركبك النوراني يا سميح؟ يحملون قناديل التوعية والتعرية للتحالف المرير, تحالف السلطان مع الصهيونية والاستعمار لصنع بؤسنا وإبقاء انحطاطنا والاستثمار في تخلفنا وهواننا ومآسينا, حياك الله يا قاسم, وحيا كل من اتبعك من المثقفين العرب الأحرار إن كان لهم وجود على امتداد هذه الرقعة المتميزة من المحيط إلى الخليج. نعم يا سميح فكرامة العرب وازدهارهم ممكنة جدا ليس بوحدتهم فقط, فذاك هدف يبدو بعيد المنال, رغم واقعيته وضرورته وإستراتيجيته, إن ترقية الحياة العربية ممكنة بمجرد إقرار إطار منظم في مستوى التضامن بإيجاد سوق مشتركة على الأقل, أو اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي, ولم لا؟ يا سميح؟ لكنك وصفت فأبدعت, وحللت فأشبعت, ولا شيء يمكن أن يفسر به وضعنا المزري غير ما ذكرت, ولله في خلقه شؤون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


ليست هناك تعليقات: